إن الدين الذي يجعل من الإخاء الإنساني أصلا من أصول التعايش بين الناس، والذي يشيد بأخوة العقيدة كأساس للترابط بين المسلمين، والذي يؤكد أن المسلمين نساء ورجالا بعضهم أولياء بعض، هذا الدين لا يمكن أن يكون قاصرا على الأمور التعبدية، بل هو دين عام شامل لشئون الحياة الإنسانية كلها، وهو دين الإنسانية قاطبة حتى قيام الساعة.
هذا الدين الذي لا يفرق بين الناس المنحدرين من أصل واحد، والذي لا يقيم لاختلاف الأجناس والألوان أي وزن، والذي يقرر المساواة أصلا في التعامل الإنساني، لا يصح أن يطلق عليه أنه دين عبادة وليس دين حياة، كما وأن العبادة لا تنفصل عن الحياة لأن كل ما يقوم الإنسان به في سبيل نفسه وغيره - إذا التزم به حدود الشرع - يكون عبادة.
وإن أخوة العقيدة في الإسلام لا تعدلها أخوة الدم والنسب، لأن هذه الأخوة تقوم على رباط الصلة بالله والإرتباط بشريعته، فكل من انتسب إلى هذه الشريعة انتساب اعتقاد وعمل، فهو أخ في الله لسائر المسلمين لا فرق بين إناثهم وذكورهم، أو بين حقيرهم وأميرهم إذ يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم.
والأخوة في الله تعني الانقطاع عن كل علاقة دنيوية غير مشروعة وتنمي كل علاقة تقوم على المحبة والتناصر في الله، كما أنها تعني معاداة كل من لا يؤمن بالله وموالاة كل من آمن بالله.
يقول تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .
هذا النص يقيد الإطلاق بأن المؤمنين إخوة في الدين، والتناصر والتناصح بين الإخوة أمر محقق، كما أن هذه الأخوة توجب العمل على الإصلاح بين المؤمنين - عند الاقتضاء - لأن هذه الآية وردت بعد ورود النص على وجوب قتال الفئة الباغية من المؤمنين حتى تفيء إلى أمر الله.