كان إقرارهم هذا بعظيم سلطانه تعالى وقدرته يقتضي- لو كان عندهم مُسكه من عقل ولَمحة من تدبر- أن يؤمنوا بأن الله قادر على إحيائهم بعد الممات. ولكنهم قوم قد عزب عنهم التذكر والتدبر، وغاب عنهم التفكير السليم والإدراك المستقيم، كانوا قوما كأنما أصابهم سحر وغشيهم خبال.
وقد جاء هذا الاستفهام:{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} جاء مفيدا الإنكار والتكذيب والسخرية والاستبعاد والتعجب: فقد أنكر المشركون من قريش أن يبعثوا من قبورهم أحياء بعد أن يصيروا ترابا وعظاما، وكذّبوا به وسخروا منه، ورأوا ذلك بعيدا عن الإمكان عجيما أن يكون.
و (إذا) شرطية في محل نصب على الظرفية والعامل فيها شرطها، وجوابها محذوف دلّ عليه (أإنا لمبعوثون) وتقديره نبعث.
الآية السابعة: في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} . الآيات:(٦٧-٦٩) من سورة النمل. تتضمن هذه الآيات الكريمة أن الذين كفروا بربهم أنكروا أن يُخرجوا هم وآباؤهم من قبورهم أحياء بعد أن يموتوا ويصبحوا ترابا، وقالوا:"لقد وُعِدنا هذا، ومن قبل محمد وَعَد آباءنا ذلك واعدون، فلم نرا لذلك حقيقة ولم نتبين له صحة، فما هذا الوعد إلا أكاذيب سطّرها الأولون في الكتب وتحدثوا بها جيلا بعد جيل".