رهط من المهاجرين في رجب وكتب لهم كتاباًَ، فإذا فيه "إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم"[٥١] فالمطلوب من السرية الحصول على معلومات عن قريش، وليس في هذا أمر غريب بين أعداء احتمال الحرب بينهما وارد، ولكن لم يكن أمراً للسرية بالقتال فقوله إنها غارة فيه إجحاف وتجن. وخاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم عندما رجعوا:"ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام"، وظل الأمر معلقاً حتى أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ}[٥٢] وما قاله هذا المستشرق لم يخرج عما قاله أعداء الإسلام حينذاك عندما قالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وغنموا الأموال وأسروا الرجال [٥٣]
وعموماً فإن الدراسات التي أعدت عن المستشرقين وتناولت مناهجهم اتفقت على أنهم يعالجون المسائل الإسلامية من وجهة نظرهم ووفق طرقهم ومناهجهم، فإن تخلوا عن الغرض، فقد تأثروا بالمنهج، وأدخلوا عوامل ومبررات في التوسع المبكر للإسلام، مثل عواقب الصراع بين الإمبراطوريات الساسانية والبيزنطية وعدم الاستقرار الداخلي للقوط في أسبانيا، ولكنهم لم يربطوا بين ذلك الانتشار السريع للإسلام وبين العقيدة الإسلامية نفسها، فهل من الممكن أن يحدث ذلك الانتشار والتوسع بهذه الدرجة من غير الدين الإسلامي؟ [٥٤] .
[١] ابن تيمية، أحمد، مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ج ٢٨ص ٤٣١ (ط الأولى ١٣١٨) .