وقد يأتي ابن فارس بمادة، فيفصل القول في معاني مشتقاتها ليقف على أنّ ثمة تبايناً فيما بينها، وأن يمكن أن تُبلْور في معنيين، ومن ذلك قوله في "عقر": العين والقاف والراء أصلان متباعدٌ ما بينهما، وكل واحد منهما مطردٌ في معناه، جامع لمعاني فروعه، فالأول الجرْح وما يشبهه من الهزم في الشيء. والثاني دالٌّ على ثباتٍ ودوام. فكأن صاحبنا يريد أن يقول إن لهذه المادة دلالتين.... وذلك أمر ليس صحيحاً، فالأصل في المادة أن تكون لدلالة واحدة، وسنناقش ذلك في ما يأتي.
ويدخل الصغانيّ المضعّف الرباعي في المادة الثلاثية، وكأنه يرى أن الأصل في الدلالة للحرفين الأول والثاني، بالرغم من أنه لم يصرح بذلك، ولكنا نراه في كلامه. ومن ذلك أنه أورد حفحف في حفّ، لمن ضاقت معيشته، والحفحفة من الأصوات. وأورد الرفرف والرفارف في مادة "رَفَّ".
والصغاني، كابن فارس، يورد أحيانا أن "التركيب" يدل على أكثر من معنى، ومن ذلك قوله في (ضفف)[٧] : "والتركيب يدل على الاجتماع، وعلى القلة والضعف"، وقوله في مادة (صيف) : "إن مدار التركيب يدل على زمان، وعلى مَيْل وعُدول".
ومن الطريف أن الصغانيّ كثيراً ما يتقفّى أثر ابن فارس في معجمه، ويترسم خطاه، ومن ذلك ما أورده في مادة (ظرف) من قوله- في آخرها: وقال ابن فارس في آخر هذا التركيب: "وما أحسب شيئاً من ذلك في كلام العرب"[٨] وما ورد في مادة (صعف) من قوله: وقال ابن فارس: "الصاد والعين والفاء ليس بشيء على أنهم يقولون الصَّعْف شراب"[٩] .