وقبل أن نسترسل، يحسن أن نُقلِّب هذا القول، لنرى أن الدلالتين على اللون والانكشاف هما في الحقيقة دلالة واحدة، يمكن ترجمتها بقولنا "انقشاع حائل وظهورُ جديد"، وينفرع عن هذه الدلالة كل من الدلالات السابقة، فالغُبْرةُ في الطُّحْلة كبياض الفجر في سواد الليل سواء بسواء، وكاحمرار البُسر في خضرته، وقل مثل ذلك في انقشاع "ثوب الستر"عن الرجل لتبدو مساويه، وهذا الأخير من المعنويّ، وهو منشعب وناجم عن الدلالة لعلاقة مجازية.
وقال ابن فارس أيضاً [١٢] : "العين والقاف والراء أصلان متباعد ما بينهما، وكل واحد منهما مطردٌ في معناه، جامع لمعاني فروعه، فالأول: الجرح أو ما يشبه الجرح من الهزم في الشيء، والثاني دالّ على ثبات ودوام، فالأول قول الخليل: العُقْر كالجُرح ... يقال: عَقَرْتُ الفرس أي كَسَعْتُ قوائمه بالسيف، وفرس عقير ومعقور ... وتعقر الناقة حتى تسقط، فإذا سقطت نحرها مستمكناً منها ... وقول القائل: عَقَرْتَ بي، معناه أطلت حبسي، ليس هذا تلخيص الكلام، إنما معناه حبسه حتى أنه عقر ناقته، فهو لا يقدر على السير. وأما الأصل الآخر، فالعَقْر القَصْر الذي يكون معتمداً لأهل القرية يلجأون إليه. قال لبيد:
بأشباهٍ حُذين على منال وافر [١٣]
كعقر الهاجريِّ إذابتناه
أبو عبيد: "العقر كل بناء مرتفع ... ". قال الخليل: "عقر الدار محَلَّة القوم بين الدار والحوض، كان هناك بناء أولم يكن.... ومن الباب عُفْرُ النار: مجتمع جمرها".