وقد ردّ نوح على قومه ردّاً رفيقا ليّنا بعيدا عن الفظاظة والغلظة، فذلك أبعث على تخفيف ما في قلوبهم من حقد وغلّ وعداوة، وأدعى إلى ترقيق قلوبهم وحسن إصغائهم وتخلّيهم عن التمادي في العناد والمكابرة، قال: يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني النبوة من عنده رحمة منه تعالى بي وبكم، أنلزمكم قبولها وأنتم لها كارهون؟! لا، لا نفعل ذلك، بل نكل أمركم إلى الله عز وجل يقضى فيكم بما يشاء، إنه الهادي إلى سواء السبيل.
هذا، و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني والمستخبر عنه هو البيّنة، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية، والتقدير: أخبروني عن البينة من ربي إن كنت عليها أنلزمكم قبولها وأنتم لها كارهون.
أما إعراب {أَرَأَيْتُمْ} فهي علمية تنصب مفعولين: وقد تنازع {أَرَأَيْتُمْ} وفعل الشرط {كُنْتُ} ، تنازعا {بَيِّنَةٍ} فأرأيتم يطلبها منصوبة على أنها مفعول به، وفعل الشرط يطلبها مجرورة بعلى، فأعمل الثاني وحذف في الأول، والجملة الاستفهامية:{أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} هي المفعول الثاني لأرأيتم، وجواب (إِنْ) الشرطية محذوف دلّ عليه وأغنى عنه أرأيتم ومفعولها، والتقدير: إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني رحمة من عنده فأخبر وني عنها أنلزمكموها وأنتم لها كارهون.
وإعراب {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} : الهمزة حرف استفهام، ونُلزم مضارع ألزم وهو متعد إلى مفعولين: الأول ضمير المخاطبين (كمو) ، والثاني الضمير (ها) العائد على البيّنة، وجملة {وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} في محل نصب على الحال من ضمير المخاطبين (كمو) ، والجملة الاستفهامية كلها سبق القول إنها المفعول الثاني لأرأيتم.