للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن صالحا ردَّ على قومه ردًّا ليّنا بعيدا عن الفظاظة والغلظة، دون أن يستفزّه ما في جوابهم من جفوة وتكذيب:

قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني منه النبوة، فمن ذا الذي يدفع عنى عقابه إن أنا عصيته فلم أبلغكموها واتبعتكم فيما تدعونني إليه من الكفر، إنكم لا تزيدونني حين أتباعكم إلا خسرانا وضياعا لما أنعم الله عليّ من رحمته.

والتعبير بحرف الشك (إِنْ) في قول صالح لقومه: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} وفي قول نوح لقومه في الآية السابقة: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} وفي قول شعيب لقومه في الآية التالية: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} ، تعبير هؤلاء الأنبياء بهذا الحرف (إِنْ) الذي كثيرا ما يستعمل في شك المتكلم في الفعل الواقع بعده، تعبير هؤلاء الأنبياء بهذا الحرف في مخاطبتهم لأقوامهم مع أنهم كانوا على يقين من أنهم على بينة من ربهم، لأنهم كانوا يخاطبون قوما جاحدين، ففيه رعاية لحسن المحاورة، واستنزال عن العناد والمكابرة، واستدراج لطيف لهؤلاء المشركين لعلهم يذّكرون.

و {أَرَأَيْتُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هو البينة، ومتعلق الاستخبار ومناطه الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ} ، والتقدير: أخبروني عن البينة من ربي إن كنت عليها فمن ينصرني من الله إن عصيته فلم أبلغكموها وكتمتها عنكم.