ويا قوم أوفوا الكيل والميزان حقهما بالعدل والقسط، سواء أكان الكيل والوزن لكم أم عليكم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم سواء أكانت هذه الأشياء مما يكال أو يوزن أو يذرع أو يعدّ أم كانت غير ذلك. ويا قوم لا تسعوا في الأرض مفسدين مصالح الآخرين. هذه البقية التي تبقى لكم من الكسب الحلال- وإن قلّت- خير لكم من كثير تبقونه لأنفسكم بالتطفيف، خير لكم عند الله ثوابا، وأحسن عقبى إن كنتم مؤمنين. ويا قوم ما أنا عليكم بحفيظ أحفظ عليكم أعمالكم وأجازيكم عليها، وإنما عليّ أن أبلغكم رسالة ربي وأن أنصح لكم بما يرضى الله، وقد فعلت وأعذرت حين أنذرت.
فقال قوم شعيب: أصلاتك يا شعيب تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام، وتأمرك أن لا نتصرف في أموالنا كما نشاء؟! إنك لأنت الحليم الذي لا يستفزه الغضب، وإنك لأنت الرشيد الذي لا يركبه الجهل والطيش!! وما كنّا لنتوقع أن تأمرنا بأن نخرج على دين آبائك وأجدادك، وتنهانا عما نهيت فلا نربح في تجاراتنا إلا القليل!!
فقال لهم شعيب: يا قوم أرأيتم إن كنت نبيًّا مرسلا من الله تعالى إليكم لأدعوكم إلى عبادته تعالى وحده وأنهاكم عن عبادة الأصنام، وأحذركم التطفيف وكسب أموال الناس بالباطل، ورزقني الله رزقا حلالا طيبا، أيحق لي بعد ذلك أن أكتم الرسالة وأن أترك تبليغ ما أمرني ربي عز وجل أن أبلغكموه، وأن أضل ضلالكم فأعبد ما تعبدون وأكسب الحرام كما تكسبون، لا، لا يحق لي ذلك، إني أخاف الله رب العالمين، فما كنت لأنهاكم عن أمر أركبه وآتيه، وما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إلا إصلاحكم وإصلاح أموركم ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وما توفيقي فيما أحاول من هذا الِإصلاح إلا بالله، فهو المعين على ذلك، وعلى الله أتوكل وإليه أنيب.