للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استمرّ الفونسو في غاراته على أراضي طليطلة دون أن يجد من يردعه، وبعد أن أنهكها تقدّم لحصارها، واستمرّ في حصارها سبع سنوات (١) وارتكب بها وبأهلها الأفاعيل وأُنزلت الآثامٍ، وتمثّلت النزّعة الصّليبيّة واضحة في هذا الحصار، فقد ضمّت القوات النّصرانيّة جنوداً من جميع أسبانيا النّصرانية من قشتاله وليون وارغون، ومتطوعين نصارى من المغامرين من فرنسا وألمانيا وإنكلترا وغيرها من أوربا النصرانية (٢) ، تباركهم الكنيسة. في حين بقيت طليطلة المسلمة وحيدة تصارع هذه القوى، وأمراء الطوائف جامدون لا يتحرّكون، وكأن الأمر لا يخصهم، بل ارتمى بعضهم كزعيمهم ابن عباد على اعتاب الفونسو، وتغافلوا عن الحقيقة: (إن النصارى لا يفرّقون بين طليطلة وغيرها من القواعد الإسلامية) ولم يقم بواجب نجدتها إلا المتوكّل على الله عمر بن محمد بن الافطس أمير بطليوس الذي وقف مجاهداً عن الإسلام وأهله كوالده الذي كان قد دعا إلى وحدة الأندلس للوقوف في وجه النصارى، وأنحى باللائمة على ابن عباد الذي مالأ الاذفونش، وبينّ أن سبب تكالب الأفرنج على بلاد المسلمين يكمن في ذنوبهم وتفرّقهمِ (٣) ، واستمرّ في جهاده إلى وفاته سنة ٤٧٠هـ. فكان ابنه المتوكل هذا لا يقلّ عنه جهاداً، وقد ثار أهل طليطلة عام ٤٧٢ هـ ضد القادر وخلعوه لتعاونه معِ الاذفونش وخياناته، واستدعوا المتوكّل ليتولىّ أمرها، فقبل مكرهاً، وأقام عندهم نحواً من عشرة أشهر ليعود إلى بطليوس حين علم باستعانة القادر بالاذفونش وتقدّمهما نحو طليطلة (٤) .


(١) نفح الطيب جـ٤ ص٣٥٣/ العبر جـ٢ ص٣٣٩/ الكامل في التاريخ جـ٨ ص١٣٨.
(٢) عنان- دول الطوائف ص٣٩٦
(٣) انظر رسالته للأذفونش بهذه المعاني/ سير أعلام، النبلاء، ج١٨ ص٥٩٥-٥٩٦ وفيها تظهر عزة المسلم حينما يلجأ إلى الله سبحانه ويستمد منه قوته.
(٤) انظر: الحجي- التاريخ الأندلسي ص ٣٣٧.