إنّ الّذي يتعمّق في تاريخ الأندلس يجد أنّ بذور التّفكّك والانحلال قد أصابت البنية الإسلامية هناك، ولم يعد المسلمون قادرين على الاندفاع في وثبات هادفة مركِّزة، فقد أصبح همَّهم الدّفاع، وفقدوا روح الهجوم والمبادرة والمفاجأة، كما اتّخذ الجهاد صورة غير الصّورة التي كان عليها أيام الفتح الإسلامي الأوّل، فقد اتّصف بكثير من صور اليأس والانتحار، وهكذا فقد الجهاد معنَاه من إزالة الحواجز في طريق الدعوة، وتبليغها ونشرها. وأصبح همّهم الحفاظ على ما هم عليه من رفاهية العيش ومن الانغماس في الملذّات، فإذا اشتدّ الخطر نهضوا بحماس آنيّ ثم يعودون للفتور السّريع مستسلمين مستخذين، وقد أدرك أمير المسلمين ذلك تماماًَ، ولذا خطّط لإنهاء المعركة وحسمها في يوم واحد قبل أن تفز همّة أهل الأندلس، وقبل أن تظهر بين ملوكهم عواطف الأثرة والحسد، لتتغلّب على عوامل الاتّحاد والقوّة، فتكون كارثة على المسلمين. وقد رأينا موقف ابن سكوت وابن المعتمد قبل عبور المجاهدين!. وظهر بعد الزّلاّقة إذ تحالف بعضهم سّراً مع الفونسو السادس أملاً في طرد المرابطين، كما فعل عبد الله بن بلكين بن باديس أمير غرناطة (١) . فوجود ملوك الطوائف كان العامل الأول الذي حال دون استغلال المعركة لصالح الإسلام في أوربا.
ثم إن يوسف أدرك أنّ القوّة التي يقابلها في الأندلس ليست قوى أسبانيا النّصرانية بل قوى أوربا بأكملها تحركهم كنيسة روما فِي حملات صليبِّية لا تهدأ، فوضع استراتيجيته في عدم التّقّدم إلاّ بعد تأمين خط الرّجعة تماماًَ. وهذا ما طبقّه منذ دخوله الأندلس.