للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٦- وكانوا يعتقدون في أناس أن أسماءهم مباركة ومعظمة، ويعتقدون أن الحلف بأسمائهم على الكذب يستوجب نقصاً في المالي والأهل، فلا يقدمون على ذلك، ولذلك كانوا يستحلفون الخصوم بأسماء الشركاء بزعمهم، فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، أخرج الإمام النسائي رحمه الله بسنده من طريق مصعب بن سعد قال: "كنا نذكر بعض الأمر وأنا حديث عهد بالجاهلية فحلفت باللاتي والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله جمع: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فأتيته فأخبرته فقال لي: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثلاث مرات، وتعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات، واتفل عن يسارك ثلاث مرات، ولا تعد له" [٤٣] لما تعاطى الصحابي في قسمه صورة تعظيم الصنم حيث حلف به، أنكر عليه الأصحاب رضي الله عنهم ولما كان ذلك القول يتعلق بالإيمان ظنوه كفراً، ولا ريب أنه رضي الله عنه لم يقصد التعظيم للصنِم غير أن قوله ذلك يتعلقَ بالاعتقاد فكان الإصلاح من النوع الذي يتعلق بالاعتقاد أيضا، فوجهه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى قول لا إله إلا اللَّه، فإنها إصلاح لما قد يخدش الإيمان، مما يجري على اللسان من غير قصد، كقول هذا، الصحابي رضي الله عنه، وينقل الحافظ عن العلماء أنهم قالوا: "يستحب أن يقول لا إله إلا الله" [٤٤] . وفي نظري أن ما وجه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الوجوب لا الاستحباب إذ لا صارف يصرفه عن ذلك، فقول لا إله إلا الله هنا يقوم مقام الكفارة إلا أنها تجدد الوحدانية وتصلح سبق اللسان الذي قد يخدش الاعتقاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" [٤٥] وقلنا إن الصحابي رضي الله عنه ما قصد ذلك لكونه حديث عهد بجاهلية، لكن شرك في اللفظ دون الاعتقاد، أما من تعمد ذلك فانه يُشك في كفره.