للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الجملة الكريمة مستأنفه كشف الله بها غمة عظيمة، وهون ما قد يجيش في نفس المسلم الورع فقد يتوهم أن الإيفاء واجب على التحقيق لاسيما وقد أردف بقوله: {بِالْقِسْط} (الرحمن: من الآية٩) فيظن أن المراد كمال الإيفاء المطلق بحيث لا يزيد على ما يستحقه صاحب الحق أدنى زيادة، ولا ينقص منه أقل القليل، ولا ريب أن تحقيق هذا صعب جداً ولا يمكن الوفاء على هذا النحو، لتحقيق الوفاء بالقسط أمر دقيق جداً ولا يتحقق في كل مكيل وموزون إلا بآلات بالغة في الحساسية ودقة الوزن والكيل إلا أن يكون ذلك بموازين الذهب التي تضبط الوزن بأقل ما يمكن وزنه أو بأجهزة (الكمبيوتر) البالغة الدقة وهذا فيه عنت وحرج على الأمة الإسلامية ولا يمكن أن تتوفر هذه الموازين لكل فرد من المسلمين وإن وجدت في عصر ما خلت منها عصور، فكانت رحمة العليم الخبير بشئون عباده تجلّل عباده توسعة عليهم ورفعاً للحرج، وليزيل ما قد يرد على صدور الأتقياء منهم من هواجس فقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [٤١] وهنا يفهم المسلم أن الله عز وجل لا يكلف عبدا إلا ما يسعه فعله، بأن يؤدي ما كلف من غير عسر ولا حرج، فهولا يكلف من يشتري أو يبيع أنواع الحبوب والفواكه وغيرها من الأقوات أن يكون كيله ووزنه على ما تقدم من الوصف في الدقة والكمال بحيث لا يزيد حبة ولا ينقص مثقالا، بل هو مكلف أن يكون كيله ووزنه منضبطا في بيعه وشرائه على حد سواء وعلى القدر الذي تعارف الناس ويكون معتقداً أنه أوفى الناس حقوقهم ولم يتطرق الظلم إلى معاملاته بزيادة أو نقص يعتد به عرفا، ويبرز هذا المنهج جليا للناظر، أنه قاعدة في اليسر عظيمة، وأساس في رفع الحرج عن هذه الأمة، فحصر التكليف بما في وسع المكلف غاية في التيسير، والبعد عن المؤاخذة فيما يقابل ذلك، وهذا من أعظم مقاصد الدين الإسلامي الذي جاء به محمدصلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فهلا نبذ المسلمون