ووجه الدلالة من حديث التصرية على تحريم الحيل أن التصرية حبس اللبن في ضرع الناقة أو البقرة أو الشاة عدة أيام حتى يمتلأ باللبن، فإذا عُرضَتْ بهذا الشكل زادت رغبة الناس فيها لظنهم أن كثرة لبنها وكبر ضرعها أمر جبلي، ولا ريب أن هذه حيلة ظاهرها أن كثرة اللبن من أصل الخلقة وباطنها الكذب والخداع والتغرير بالمشتري ليغالي في ثمنها، وقد جاءت الشريعة باعتبار المقاصد في العقوبات فأهملت الصورة ونظر إلى المعنى، فإن حبس اللبن مدة معلومة أمر مباح ما لم يتضرر الحيوان لكن لما اتخذ وسيلة إلى أكل أموال الناس بالباطل صار حراما بهذا القصد.
ولا فرق في الشرع بين من عرَّض وخادع بالقول أو بالفعل، والتصرية نوع من التعريض بالفعل تضمن الغش والخداع.
وأما التعريض بالقول فمثاله ماحكاه ابن تيمية في إقامة الدليل قال:"وقد حكى عن بعض المحتالين أنه كان إذا استوصف السلعة عرَّض في كلامه، مثل أن يقال له: كيف الجمل؟ يقول: احمل ما شئت وينوي على الحيل، ويقال له: كم نحلب؟ فيقول: في أي إناء شئت، فيقول: كيف سيره؟ فيقول: الريح لا تلحق فإذا قبض المشتري ذلك فلا يجد شيئا من تلك الأوصاف، فيقول: ما كذبتك "[١٠٢] .
٨- حيلة العينة وإليك طرفاً من الأحاديث الواردة فيها:
أولا: عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضَنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم "[١٠٣] .
قلت: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند قال: أنبأنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن عطاء بن رباح عن ابن عمر.
قال ابن حجر في بلوغ المرام:"ورجاله ثقات وصححه ابن القطان، اه "[١٠٤] .