لقد شغلت قضية اللفظ والمعنى جهود النقاد العرب. وقد نصب الجرجاني همّه لرفض الثنائية بينهما وتابعه في هذا الاتجاه ابن كمال. فاللفظ يعانق المعنى فإذا وجب للمعنى أن يكون أولا في النص وجب للفظ الدّال عليه أن يكون مثله لا النطق. وهذا الاتجاه لا يخرج عما انتهى إليه الدرس الحديث، يقول طه حسين (خصام ونقد، ص ٨٧) : "إن من أعسر العسر أن تفصل بين صورة الأدب ومادته، فالأدب يوشك ألا يخضع لهذا النوع من التحليل الذي يعمد إليه العلماء وأصحاب الكيمياء منهم خاصة، فإذا عمد النقاد إلى تحليله فهم يقاربون ولا يحققون.. إن اللغة صورة الأدب وإن المعاني هي مادته وهذا كلام مقارب لا تحقيق فيه فكثير من النقاد القدماء خاصة، تصوروا أن المعاني تشبه الأجسام قبل أن تلبس الثياب، ونعرف الثياب قبل أن تسبغ على الأجسام ونستطيع أن نحقق الفصل بينهما، ولكننا لا نعرف المعاني المجردة التي تتخذ ثيابها من الألفاظ ولا نعرف الألفاظ الفارغة التي تنتظر المعاني لتلبسها، وإنما نعرف الألفاظ والمعاني ممتزجة متحدة، لا تستطيع أن تنفصل ولا أن تفترق ".
وفي الرسالة دعوة إلى وحدة علوم اللغة، فعلم المعاني بمعناه العام الذي يضم البيان وإن اشتهر ضمه إلى علوم البلاغة فهو ليس إلا دراسة لغوية تدخل في إطار النحو بمعناه الدقيق، لأن علم المعاني يعنى بدراسة الجملة وما يكون فيها من حذف أو ذكر، أو تعريف أو تنكير، أو تقديم أو تأخير، أو قصر أو وصل، أو إيجاز أو إطناب. ولابن كمال دراسة قائمة بذاتها لتأكيد هذه الصلة، يقول فيها:/مخطوط لدى الباحث/ ".. ويشارك النحوي في البحث عن المركبات إلا أنّ النحوي يبحث عنها من جهة هيئاتها التركيبية صحة وفسادا، ودلالة تلك الهيئات على معانيها الوضعية على وجه السداد. وصاحب المعاني