للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو حيان في شرح التسهيل: "هذه المسألة غلط فيها كثير من المصنفين في العلوم، ومن الشعراء، فيدخلون الباء على مالا يصح دخولها عليه في لسان العرب، وينصبون ما تدخل عليه في لسان العرب، ففي المنهاج لأبي زكريا النووي: "ولو أبدل ضادا بظاء لم يصحّ في الأصحّ". يعني في قوله: {وَلا الضَّالِّينَ} (١) ، ولو جرى كلامه على اللسان العربي لقال: "ولو أبدل ظاء بضاد"أي جعل بدل الضاد ظاء، فالمنصوب هو الذي يصير عوضا، وما دخلت عليه الباء هو الذي يكون معوَّضاً منه.

وهذا جار في هذه المادة من أَبْدَل وبدَّل وتبدَّل، المنصوب هو المعوّض الحاصل، وما دخلت عليه الباء هو المعوّض منه الذاهب. فإذا قلت: أبدلتُ ديناراً بدرهمٍ، فمعناه اعتضتُ ديناراً عوض الدرهم، فالدينار هو الحاصل المعوّض، والدرهم هو الخارج عنك المعوّض منه. وهذا عكس ما يفهم العامة، وكثير ممّن يعاني العلوم. وعلى ما ذكرناه جاء كلام العرب، قال الشاعر:

تَضْحَكُ منيّ أُخْتُ ذاتِ النِّحْييَن (٢) .

أبْدَلَكِ الله بلوْنٍ لَوْنين

سَوادَ وَجْهٍ وَبيَاضَ عينين

ألا ترى كيف أدخل على المعوَّض منه الباء، وهو قوله "بلونٍ"ونصب "لونين"وهو المعوّض. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ} (٣) . وقال تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ} وقال تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (٤) وقال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} (٥) أي يستبدل بكم قوما غيركم. وقال تعالى: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا} تقديره: أن يبدلنا بها خيراً منها، فحذف "بها"أي بالجنة التي طيف بها. وقال تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً} أي يبدلهما به.

وعلى هذا نظم علماء الشعراء، قال أبو تمام (٦) :