للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله الذي جعل العلوم الشرعية مناهل صافيةً تورد، ومصابيح نيِّرةً توقد، وقيّض لها حملة مجالسها عليهم تُعقد، وأحاديثها لديهم تنشد، وزيفها لديهم ينقد، وضالتها عليهم تنشد، والصلاة والسلام على نبيِّه ورسوله أفضل صلاة تامة، وأزكى سلام سرمديّ مؤبَّد.

وبعد فإني سئلت عن مسألة تعيين محل دخول الباء من مفعولي بدَّل وأبدل وما يراجع إليهما في المادّة. وكان الذي حمل السائل على السؤال عن ذلك أنه سمع بعض علماء اللسان ينكر مثل قول القائل: فعمّا قليل يبدّل العُسْرُ باليُسْر، يزعم أنه لحن، خارج عن كلام العرب، وأن صواب الكلام يبدّل اليُسر بِالعسر، أَي يجعل اليُسر بديل العُسْرِ وعِوَضه. قال: فإنما تدخل الباء بعد هذا الفعل أبدا على المتروك، ويجرّد الحاصل منها، فهو الذي يقام مقام الفاعل على اللزوم. فصوّبت للسائل ذلك المقال، وأنكرت ذلك الإنكار. فسألني تقييد المسألة ببسط وبيان، فقلت في الجواب، والله سبحانه المستعان:

إن لأفعال هذه المادة في الاستعمال أربعة أوجه:

أحدها: أن يقصد بالتبديل أو الإبدال تغيير الشيء بنقله وتحويله، فيتعدى إلى اسمين منقول ومنقول إليه، ومحل دخول الباء في هذا الوجه إنما هو العوض الحاصل، ويجرّد المتروك لأنه المغيّر، فإنما تريد أخلفت هذا بذاك ونسخته به، وعلى هذا يصح ما أنكره المنكر. قال ثعلب: "التبديل تغيير الصورة إلى غيرها"

وقال الفراء: "كل ما غيّر عن حاله فهو مبدَّل، وقد يجوز التخفيف"

وقال ابن النحاس: "بدّلت خاتمي أي غيّرته"

وقال الزمخشري في قوله تعالىِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} : "التبديل هو التغيير، كقولك: بدّلتُ الحلْقة خاتما، إذا أذبتها وسويتها خاتما، فنقلتها من شكل إلى شكل، قال: فهو تغيير في الصفات. قال: وقد يكون في الذوات كقولك: بدّلتُ الدراهم دنانير".