قال الزمخشري في المفصّل:"من أسماء الفعل: دُونَك زيدا أي خذه، وعندك عمراً أي الزمه، ومكانك إذا قلت تأخر وحذّرته شيئاً خلفه، وأمامك إذا حذَّرته من بين يديه شيئاً، أو أمرته أن يتقدّم، ووراءك أي انظر إلى خلفك إذا أبصرته شيئاً".
وقال الأندلسي:"موضع هذا الباب للمبالغة، لأن من شأن العرب إذا أرادت معنى زائداً على ما يعطيه اللفظ غّيرته وأزالته عن موضعه المعهود، كما تراهم يفعلون في ضارب وضرّاب وراحم ورحمان. وفيه أيضاً اختصار وإيجاز إلا أنه لا يخلو عن توسّع وتجوّز. أما الاختصار فلأن الأصل في قولك: "دونك زيدا": خُذ من دونك زيداً، فحذف حرف الجر والفعل، وضمّن الظرف معناهما. وأما التجّوز فلأنهم حذفوا أحد اللفظين وجعلوا الآخر نائباً منابه وسادا مسدّه. وإقامة الشيء مقام غيره وحلوله في غير محلّه تجّوز وتوسّع. ثم الألفاظ المستعملة فيه ثلاثة ضروب: عليك وإليك، وظروف المكان نحو عندك ووراءك وأمامك وباقي أسماء الجهات الست، ومصادر نحو حِذْرَك وحذارك. ثم قولك "أمامك"يحتمل وجهين: أن يريد ادْنُ، أو احذر. فإن أردت ادْنُ فلا يتعدّى، وإن أردت احذر تعدّى. فيكون اللفظ واحداً والمراد به مختلف، والقرائن هي الفارقة المفهمة. ويقال في إعرابه إغراء، وفي المنصوب به منصوب بالإِغراء. وإذا ارتفع ما بعد هذه الحروف أو الظروف خرجت عن الإغراء، كقولك: عليك الدَّينُ، وأمامك الجزاءُ. ومن أحكام هذا الأصل أن لا يُغْري به غائب. فمن ذلك: عليك عمراً، ووراءك انظر وهو ظرف. ومكانك أي الزمه- وهو ظرف. وإليك بمعنى تنح. ووراءك انظر. وهذه المجرورات بمنزلة صَهْ ومَهْ، ولا يقع إلا في الأمر. أما ما روي أنه إذا قيل إليك، فقال: إليَّ، فهذا شاذ مخالف لقياس العرب، ولا يجوز علىَّ زيداً ولا دوني عمراً، إلا أن يريد بعليّ أوْلِني، فيقول: عليّ زيداً، فتوسعت العرب في هذا، فعدَّته مرة إلى المتكلم بحرف الجر، ومرّة إلى المخاطب. ولم يقع توسّع في