ثم يعقب عليه بقوله:"يجوز حذف حرف النداء، اكتفاء بتضمن معنى الخطاب، إن لم يكن مندوباً، أو مضمرا، أو مستغاثا، أو اسم جنس، أو اسم إشارة؛ لأن الندبة تقتضي الإطالة ومدَّ الصوت، فحذف حرف النداء فيها غير مناسب، وهكذا الاستغاثة؛ فإن الباعث عليها هو شدة الحاجة إلى الغوث والنصرة، فتقتضي مَدّ الصوت، ورفعه، حرصا على الإبلاغ، وحرف النداء معين على ذلك، وأما المضمر، فلا يحذف منه حرف النداء؛ لأنه لو حذف فاتت الدلالة على النداء؛ لأن الدال عليه هو حرفُ النداء، وتضمُّنُ المنادى معنى الخطاب، فلو حذف الحرف من المنادى المضمر بقي الخطاب، وهو فيه غير صالح للدلالة على إرادة النداء؛ لأن دلالته على الخطاب وضعية لا تفارقه بحال،، وأما اسم الجنس، واسم الإشارة، فلا يحذف منهما حرف النداء إلا فيما ندر من نحو قولهم: "أصبحْ ليلُ، وأطرقْ كرا، وافتد مخنوقُ"، وقوله في الحديث: "ثوبي حَجَرُ"، وقول الله سبحانه وتعالى:{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} وذلك لأن حرف النداء في اسم الجنس كالعوض من أداة التعريف، فحقه ألا يحذف، كما لم تحذف الأداة، واسم الإشارة في معنى اسم الجنس، فجرى مجراه، وعند الكوفيين أن حذف حرف النداء من اسم الجنس والمشار له قياس مطرد، والبصريون يقصرونه على السماع. وقول الشيخ: "ومن يمنعه فانصر عاذله"يوهم اختيار مذهب الكوفيين، هذا إذا لم يحمل المنع على عدم قبول ما جاء من ذلك"[١٠] .
وقد طبعت "الدُرّة المضيّة "في ليبسيك (Leipzig) بألمانيا سنة ١٨٦٦م، وفي القاهرة سنة ١٣٤٢هـ، كما طبعت في بيروت بتحقيق الشيخ محمد بن سليم اللبابيدي، مرتين: الأولى بمطبعة القديس جاورجيوس سنة ١٣١٣هـ في ٣٥٦ صفحة من القطع المتوسط، والثانية بالتصوير عن الأولى، وأخرجته منشورات خسرو ببيروت، منذ عهد قريب. وغمرت به المكتبات.