فهذه مصر الإسلامية في سنة ١٨٨٤م تخلت عن الشريعة الإسلامية وصبغت نظامها طبقا للقوانين الفرنسية، وهكذا فعلت الدولة التركية، والألبانية المسلمة أزاحت القوانين الإسلامية حتى قانون الأحوال الشخصية الإسلامية وجعلت نظام إيطاليا وسويسرا نظاما لها. وتاريخ الإسلام في الهند ليس ببعيد عنا، فقد ضلت الدولة الإسلامية فيها مستمرة مدة ثمانية قرون إلى زمن الاستعمار البريطاني، ومنذ أن وطئت أقدام المستعمر أرضها بدؤوا يبطلون الشريعة الإسلامية القائمة آنذاك شيئا فشيئا، فكنا نحن المسلمين في الهند نرزح تحت نير الاستعمار المجرم ووطأته وضغطه مدة ١٩٠ عاما ثم أخذت الهند استقلالها بعد ذلك، ولكن لم تنتهي محاولة محو الإسلام من نفوس أتباعه، فما زالت تقوم محاولات سرية لإزالة ما بقي من شعائر الدين على يد الحكومة الحالية التي ركزها الاستعمار عندما خرج من الهند، فكأن الهند لم تأخذ استقلالها بعد.
وهذه الحالة المؤلمة ما ألمت بالمسلمين على نتيجة لتخليهم عن الشريعة الإسلامية وتحولهم عنها وإعراضهم عن القرآن الكريم وفهمهم الخاطئ للإسلام، حيث فصلوا بين الدين والدولة، فاصبح الدين عبارة عن مفهوم ضيق لا هيمنة له على واقع حياة الأمة، وأصبح المسلمون عبيدا وأذلاء في وجه الأعداء، ومن الواضح جدا أن المسلمين إذا طبَّقوا القرآن تطبيقا كاملا في جميع مرافق حياتهم فلن يقدر أي عدو محليا كان أو خارجيا أن يتغلب عليهم، ومنذ أن حدث هذا الفصام النكد بين الدين والدولة أصبح المسلمون قطيعا من الغنم في وجه الأسود المفترسة تكالبت عليهم الأمم من كل جانب، ولعل هذا ما قصد إليه الوزير الإنجليزي جلادستون حين وقف في مجلس العموم قبل سنين كثيرة يقول:" إن قدم الإمبراطورية الإنجليزية لن ترسخ في بلاد الإسلام ما دام القرآن موجودا ".