للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونسخ التابع لا يكون نسخا للمتبوع لأنهما كيانان. فإذا ارتفع أحدهما لمقتض اقتصر عليه، لا يقتضي ذلك ارتفاع الآخر لأن رابطة الشرطية مهما قويت لا تنفي التغاير بين الشرط والمشروط.

قد أجيب عن هذا الدليل:

بأن نسخ الباقي لو تصور فإنما يتصور بالنسبة لإِجزائه أو عدم إِجزائه، ولا فرق بين الجزء والشرط في توقف هذا الإجزاء عليهما واعتداده بهما. كما أنه لا فرق بينهما في زوال اعتباره شرعا بفقدانهما.

ولو أنعم النظر فإنه يصل إلى أن مآل الجزء فيما ذكر من الإجزاء وعدمه إلى الشرط، لأن الجزء قبل النقص كان شرطا أيضا بالنسبة للباقي، حيث إنه خارج عنه، واعتداده موقوف عليه وما الشرط إلا هذا.

هذا الجواب بناء على تسليم كون الإِجزاء أو عدمه حكما شرعيا. وهناك من لم يسلم ذلك فأجاب عن الدليل بجواب ثان مفاده:

أن الإِجزاء عبارة عن موافقة الأمر وعدم القضاء وموافقة الأمر نسبة عدمية بين الفعل والأمر لأنهما عبارة عن عدم المطالبة به، وعدم القضاء عبارة عن عدم ورود نص بطلبه، فانتفى عن الإِجزاء وعدمه أن يكونا حكمين شرعيين لأمرين:

أحدهما: عدميتهما. والحكم الشرعي إنما هو حكم الله تعالى الوجودي المتعلق على وجه خاص.

ثانيهما: أنهما عبارتان عن النسبة وعدمها، والنسب أو عدمها ليست أحكاما شرعية، فلا يكون رفعها نسخا.

دليل المذهب الرابع

استدل القائلون بأن نقص الجزء والشرط نسخ إن غير حكم المنقوص وإلا فلا بما يلي:

إن النسخ عبارة عن إزالة الحكم الثابت بالشرع المتقدم بدليل شرعي متأخر عنه والمنقوص منه الباقي بعد النقص قد كان تقدم ورود الخطاب بأنه بانفراده ليس مطلوبا واستقر ذلك وثبت. فإذا ورد بعد ذلك خطاب بأنه مطلوب تام بانفراده فإن ذلك يكون نسخا له.

ومثلوا له بما لو نقصت ركعتان من أربع ركعات فإن هذا النقص يغير حكم الركعتين الباقيتين من عدم كونهما عبادة بانفرادهما إلى كونهما عبادة تامة.