وأما الرشيد [١٧٠- ١٩٣ هـ] ، الذي تمرس على غزو الروم في عهد أبيه، شاباً، فقد اجتهد في الغزو وأمام من الصناعة ما لم يقم بمثله، وقسم الأموال في الثغور والسواحل، وأشجى الروم [٣٤] . وعندما بلغه عام ١٧١ هـ ائتمار الروم بالخروج إلى طرسوس لتحصينها، وترتيب المقاتلة فيها، أغزى الصائفة هرثمة بن أعين، وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها، وأجرى أمرها على يدي فرج بن سليم الخادم التركي [٣٥] . فقام فرج ببنائها، وأحكمه، وجعل على نهرها الذي يشقها في وسطها القناطر المعقودة، وجُعل لها سور من حجارة، وستة أبواب، وخندق واسع. كما أقام حولها سبعة وثمانين برجاً. ومسح ما بين النهر إلى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة، كل خطة عشرون ذراعاً في مثلها، ثم انتدب إليها الناس، فكانت الندبة الأولى من أهل خراسان، وهم ثلاثة آلاف رجل، ثم كانت الندبة الثانية وهم ألف رجل من أهل المصيص، وألف رجل من أهل انطاكيا على زيادة عشرة دنانير من أصل العطاء. وعسكرت الندبتان على باب الجهاد في مستهل عام ١٧٢ هـ. إلى أن تم بناء طرسوس وتحصينها وبناء مسجدها الجامع، فأقطع فرج أهل طرسوس الخطط، وسكنتها الندبتان في شهر ربيع الأول عام ١٧٢ هـ.