المسلمين بمكة يستغفرون الله ويعبدونه فأنزل الله قوله تعالى:{وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي: أيُّ شيء ثبت لهم يدفع عنهم عذاب الله. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من بين أظهرهم. فالآية على هذا كقوله:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} .
الوجه الثالث: أن المراد بقوله: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} كفار مكة وعليه فوجه الجمع أن الله تعالى يرد عنهم العذاب الدنيوي بسبب استغفارهم أما عذاب الآخرة فهو واقع بهم لا محالة فقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} أي في الدنيا في حالة استغفارهم وقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي في الآخرة وقد كانوا كفارا في الدنيا. ونقل ابن جرير هذا القول عن ابن عباس وعلى هذا القول فعمل الكافر ينفعه في الدنيا كما فسر به جماعة قوله تعالى:{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} : أي أثابه من عمله الطيب في الدنيا وهو صريح قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} . الآية. وقوله تعالى:{أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} . وقوله:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} ونحو ذلك من الآيات يدل على بطلان عمل الكافر من أصله كما أوضحه الله تعالى بقوله: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} فجعل كلتا الدارين ظرفا لبطلان أعمالهم واضمحلالها وسيأتي إن شاء الله تحقيق هذا المقام في سورة هود.