يعتبر الإمام البخاري من شيوخ مسلم البارزين الذين لهم دور كبير في إفادته وتمكنِّه في معرفة الحديث النبوي والتثبت في نقل الصحيح. قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام مسلم في كتابه تاريخ بغداد، قلت:"إنما قفا مسلم طريق البخاري ونظر في علمه وحذا حذوه، ولما ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم وداوم الاختلاف إليه"، وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لنخبة الفكر في معرض ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم:"هذا على اتفاق العلماء على أن البخاري كان أجل من مسلم وأعرف بصناعة الحديث منه وإن مسلما تلميذه وخريجه ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره حتى قال الدارقطني: "لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء"". انتهى.
ومع كون الإمام مسلم تتلمذ على الإمام البخاري ولازمه واستفاد منه لم يرو عنه في صحيحه شيئا ويبدو والله تعالى أعلم أن مسلما رحمه الله فعل ذلك لأمرين:
الأول:
الرغبة في علو الإسناد وذلك أن مسلما شارك البخاري في كثير من شيوخه فلو روى عنه ما رواه عنهم لطال السند بزيادة راو لكنَّه رغبة منه في علوِّ الإسناد وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم روى مباشرة عن هؤلاء الشيوخ تلك الأحاديث التي رواها البخاري عنهم.
الثاني:
أن الإمام مسلما رحمه الله ساءه ما حصل من بعض العلماء من مزج الأحاديث الضعيفة بالأحاديث الصحيحة وعدم التمييز بينهما، فوجه عنايته في تجريد الصحيح من غيره كما أوضح ذلك في مقدمة صحيحه، وإذاً فما كان عند البخاري من الأحاديث قد كفاه مؤونته لأنَّه قد عنى بجمع الحديث الصحيح مع شدة الاحتياط وزيادة التثبت.