فقد بعث صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا إلى ذات أتلاح على مشارف بلاد الشام، يدعون إلى الإسلام، فاستشهدوا جميعاً، لم ينجُ إلا رئيسهم كعب الذي عاد جريحاً.
ووجه صلى الله عليه وسلم سرية مؤتة لتأديب القبائل الغادرة، ولتكون طليعة حملة أكبر لفتح الشام عام ٨ هـ قبل فتح مكة وقد تصدى لهذه السرية الروم البيزنطيون بقبائل العرب المتنصرة، وعادت دون أن تحقق نجاحاً عسكرياً، ولكنها أدت دوراً في تبليغ الدعوة، فوصلت الدعوة حدود الشام، وبدأت تمتد بين القبائل الخاضعة للروم، قبل أن تعمّ شبه الجزيرة العربية.
ووجه صلى الله عليه وسلم حملة بقيادة عمرو بن العاص في المهاجرين الأولين إلى الشمال، وفيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، قبل أن يتوجه لفتح مكة عام ٨ هـ. فوطيء عمرو أرض طيء، وبلي، وعذرة، وبلقين في غزوة ذات السلاسل (١) . وكلها قبائل كانت تخضع للروم البيزنطيين بشكل أو بآخر.
وبعد غزوة حنين ورجوعه من حصار الطائف قاد صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك بنفسه عَام ٩ هـ. وكانت تظاهرة إسلامية كبيرة، وصل عدد الجيش الإسلامي فيها ثلاثين ألفاً، وهو أكبر جيش شهدته الجزيرة العربية حتى ذلك التاريخ، وقد تنافس المسلمون في تجهيزه، في النفقة، وتنافسوا في النفير، في زمن عسرة، وشدّة الحرّ، فسمي الجيش بـ "جيش العسرة". وكانت اختبارا وفقاً لأمة الجهاد بالفعل، كشفت بوضوح خطة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل على تبليغ الدعوة ونشرها بطريق الجهاد والفتح، ووضعت الأسس التي ستسير عليها الفتوحات الإسلامية زمن الراشدين والأمويين، وما يجب أن تسير عليه الأمة المسلمة في جميع عصورها.