ولهذا فقد تميز الجند الإسلامي بالحرص على نيل الشهادة، والعفّ عن المغانم، وعدم استحلالها إلا محلها، تشهد بذلك النصوص الصريحة الكثيرة، وشهد بذلك أعداؤهم.
فنجد أبا بكر رضي الله عنه يكتب إلى قادته باستنفار من قاتل أهل الردة، ومن ثبت على الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم ألا يسمحوا لأحد أرتد بالغزو معهم، فلم يشترك أن ارتد في الفتوحات إلا بعد أن قطعت شوطاً كبيراً زمن عمر رضي الله عنه، الذي سمح لهم بالمشاركة في الجهاد، ولم يسمح لهم بتولي قيادة. وبذلك تنهار فكرة اشغال أبي بكر رضي الله عنه للعرب في الفتوحات الإسلامية.
ولما افتتحت المدائن- طيسفون- عاصمة الفرس عام ١٦ هـ، لم يأخذ أحد من الجيش لنفسه شيئاً مما وقع في يده، وإنما أدّاها بتمامها إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ولما رأى سعد أمانة رجاله قال:
"والله إن الجيش لذو أمانة، ولولا ما سبق لأهل بدر، لقلت أنها على فعيل أهل بدر".
ولما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مقدار ما وصل إليه من أموال إلى المدينة، قال:
"إن جيشاً أدّى هذا لذو أمانة".
فأجابه علي رضي الله عنه:
"عففت فعفّت الرعية، ولو رتعت لرتعوا".
ولما انسحب المسلمون من حمص في خطة عسكرية محكمة لمواجهة القوات البيزنطية في اليرموك، أعادوا الجزية لأهل حمص، مخالفين كل ما يتوقعه الناس من جند ينسحب عن مدينة (إذ يعمل فيها الخراب والتدمير) ، فدهش أهلها، فقال لهم المسلمون:
"قد شغلنا عن نصرتكَم، والدفع عنكم، فأنتم على أمركم". فقالوا:
"لولايتكم وعَدلكم أحبّ إلينا مما كنا فيه أن من الظلم والغش".
ومنعوا الروم من دخول المدينة، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود.