وفي نفس الوقت حاول لويس التاسع إصلاح الفساد المستشري في الإمارات الصليبية حيث كانت مرتعا للشرور التي وصفها القاصد الرسولي في حديث له إلى جونفيل يبين فيه مقدار الفساد في عكا "لا يعلم أحد مثلي الآثام والمعاصي التي ارتكبت في عكا ولذا فإن المولى سينتقم من سكانها حتى تغسل المدينة بدمائهم، وحينئذ سوف يأتي شعب آخر للإقامة فيها" وقد ساعد على هذا الفساد الأخلاقي كون الصليبيين خليطا متنافرا من الناس! كما سبق وذكرنا.
كل هذه الأعمال التي قام بها لويس التاسع ساهمت بالإِضافة لعوامل أخرىَ في تأخير سقوط الإمارات الصليبية مدة ليست قليلة، وإن كانت لم تلبث الخلافات أن دبت بينهم خصوصا بين الجماعات اللاتينية وذلك عام ١٢٥٨م ودارت عامين وتسببت في إضعاف الصليبيين وذلك بعيد مغادرة لويس للشام عائدا إلى بلاده التي دبت فيها الفوضى، وليقود بعد فترة طويلة الحملة الصليبية الثامنة إلى تونس حيث توفي في بدايتها عام ٦٦٩ هـ (١٢٧٠م) .
دور بيبرس في التصدي للصليبيين:
لم ينس بيبرس لحظة عداوة الصليبيين وخطرهم على الشام ومصر، وهو الذي شارك في صدهم عن المنصورة ودمياط، ورأى محاولات لويس التاسع في تأجيج الصراع بين دولة المماليك الحديثة النشأة والملك الناصر ملك الشام، ثم تعاونهم مع الخطر الجديد القادم من الشرق، حيث رأوا فيه حليفا طبيعيا ساقه الله لنصرتهم، ألا وهو خطر المغول، فاتصلوا بهم، وعملوا أدلاء لجيوشهم وجواسيس يطلعونهم على عورات المسلمين، بل سمح بعضهم لبعض الحاميات المغولية بالنزول في حصونهم، فوقعوا هم أنفسهم تحت سيطرة ورحمة تلك الجماعات، وكذلك تآمر الصليبيين الدائم مع الحشيشيين الذي كانوا خطرا دائما يهدد كل مجاهد مسلم من زعماء المسلمين.
لهذا قرر بيبرس كما قلده في ذلك خلفاؤه أمثال قلاوون والأشرف خليل، اجتثاث الخطر الصليبي نهائيا من بلاد الشام.