وقال الحاكم وغيره: سمعت حسان بن محمد يقول: "كنا في مجلس ابن سريج سنة ثلاث وثلاثمائة فقام إليه شيخ من أهل العلم فقال: أبشر أيها القاضي فإن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد- يعنى للأمة- أمر دينها وأن الله بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فأظهر كل سنّة وأمات كل بدعة. وبعث على رأس المائتين محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه حتى أظهر السنّة وأخفى البدعة. وبعثك على رأس الثلاثمائة حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة ثم أنشأ يقول:
عمر الخليفة ثم خلف السودد
اثنان قد مضيا فبورك فيهما
خير البرية وابن عم محمد
الشافعي الألمعي محمد
من بعدهم سقيا لتربة أحمد
أرجو أبا العباس أنك ثالث
قال: "فصاح أبو العباس بن سريج: وبكى فقال: لقد نعى إليّ نفسي". قال حسان: "فمات القاضي أبو العباس في تلك السنة".
وجاء في تذكرة الحفاظ. كذا في النسخة سنة ثلاث وكأنها سنة ست تصحفت.
كان أبو العباس: صاحب سنة واتباع، إذ أنه سئل عن صفات الله تعالى فقال: "حرام على العقول أن تمثل الله، وعلى الأوهام أن تجده، وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
واشتهر النقل عن ابن سريج أنه قال:"ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه، ولا يصل إلى معرفة الكلام".
ثانيا: تقديم العلماء له عليهم تقديرا لمكانته العلمية:
ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن العلماء باتفاق يحترمون مكانة ابن سريج العلمية ويقدمونه عليهم نظرا لهذه المكانة لذا ذكر هذه الرواية مشيرا لهذا المعنى إذ قال: أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد الهروي في كتابه، حدثنا الحسن بن إبراهيم بن الحسين الليثي بمصر، حدثني الحسين بن الفتح. قال:"كان ببغداد جمع للقضاة والمعدلين والفقهاء وقاموا ليمضوا إلى موضع فاتفقوا على أن يتقدمهم أبو العباس بن سريج، ومنهم من هو في سن أبيه".