فتبين لنا أن الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى وليس للنبي صلى الله عليه وسلم إلا نقلها وروايتها بدليل إضافته هذه الأحاديث إلى الله تعالى فهي تسمى قدسية أو إلهية أو ربانية، فلو كان لفظها من عنده صلى الله عليه وسلم لما كان لها فضل اختصاص بالإضافة إليه تعالى دون سائر أحاديثه صلى الله عليه وسلم ويؤكد ذلك اشتمال هذه الأحاديث على ضمائر المتكلم في كثير منها الخاصة به تعالى أو الإضافة إليه تعالى مثل حديث أبي ذر المذكور وحديث يقول الله تعالى:"أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني"[١٩] وحديث "قال الله المتحابون في جلالي لهم منابر من نور"[٢٠] وحديث "الحمى ناري أسلطها على عبدي المؤمن ... "[٢١] ونحوها كثير.
ولجأ أصحاب القول الأول إلى تأويل ما ذكرنا بقولهم "إذا كان لفظ الحديث القدسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نؤول قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى:
فقالوا: "إن المقصود نسبة مضمون الحديث لا نسبة ألفاظه وهذا التعبير كثير الاستعمال في اللغة العربية قديمها وحديثها، ثم مثلوا لذلك بأمثلة ومن أهمها قالوا قد ورد هذا الاستعمال في القرآن حيث حكى الله تبارك وتعالى عن نوح وموسى عليهما السلام وفرعون عليه اللعنة وغيرهم مضمون كلامهم بألفاظ غير ألفاظهم وبأسلوب غير أسلوبهم ونسب ذلك إليهم..." [٢٢] .
فأقول في رد هذا التأويل بأن ما ذكرتم مقبول لو ثبت فهم هذا المراد من أحد من سلف هذه الأمة من الأئمة المشهورين في الحديث وغيره ولكنه لم يثبت عنهم إلا سوق مثل هذه الأحاديث القدسية وغيرها من أحاديث الصفات وإجرائها كما وردت.