كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإِنفاق من الأمواال، فإن الصلاة حق الله وعبادته، وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتوكل عليه، والإِنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم، وأولى الناس بذلك القرابات الأهلون والمماليك، ثم الأجانب، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بني الإِسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت"، والأحاديث في هذا كثيرة. انتهى.
وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} النساء٧٧.
كان المؤمنون في ابتداء الإِسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة، وإن لم تكن ذات النصب، وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم.
ويقول المراغي في تفسيره ما نصه:
"وقد فرضت الزكاة المطلقة في أول الإسلام، وكانت اشتراكية، والباعث عليها القلوب والضمائر، لا إكراه الحكام، ثم جعلت معينة محددة عندما صار للإسلام دولة، وسرُّ الوضع الأولى: أن جماعة المسلمين في مكة قبل الهجرة كانوا محصورين، ومنهم الموسر والمعسر، وصاحب الثروة وذو الفقر المدقع، فوجب أن يقوم أغنياؤهم بكفالة فقرائهم وجوبا دينيا إذا كانت الزكاة المعينة لا تكفيهم.
ويقوله رشيد رضا:
فرضت الزكاة المطلقة بمكة في أول الإسلام، وترك مقدارها ودفعها إلى شعور المسلمين وأرحيتهم، ثم فرض مقدارها من كل نوع من أول الأموال في السنة الثانية على المشهور.. اهـ.