من أصعب المواضيع على الكتاب هو الموضوع الذي لم يسبق إليه، حيث لا مثال يحتذي ولا مصدر يستقى منه، وسيكون الكاتب، وإن قيل أن له قصب السبق إلا أنه سيكون موضع التجربة، ومحل النقد، لأنه سيتصيده من بحار الكتب ثم يجمع ما تصيده في سلك التأليف. فإذا لم يكن له وجود في الكتب، ولم يقيد قط، ولم يكن الكاتب يعاصره كان ذلك أصعب عليه، لأنه لا مرجع يؤخذ منه، ولا مشاهدة يستقي منها، بل سيتصيد ذلك من أقوال الرجال، وإذا كان العهد بعيدا كانت الصعوبة أشد لما يعرض للناس من آفة النسيان، وسيجد اختلافات عديدة وأقوال متنوعة، وعليه هو أن يستخلص منها ما يوصله إلى مطلوبه، وفي مثل هذه الحالة لن يسلم من الخطأ بزيادة أو نقص.
ومبحث التراويح في العهد السعودي وفي أوائله بالذات من هذا القبيل، فلا هو مدوَّن في كتب التاريخ، فيرجع إليها، ولا هو مشاهد فيستقى من الواقع.
وقد اتصلت بالكثيرين ممن شاهدوا أواخر العهد السابق وأوائل هذا العهد فكان كل يدلي بما حفظته الذاكرة ولم تضيعه عليه الأيام، وما نقص من عند هذا يكمل من عند ذاك، وكانت في مجموعها متفقة في أصولها وإنما الخلاف في صورها وأشكالها فاستخلصت منها ما سنقدمه للقراء الكرام ليأخذوا ولو صورة مجملة.
وإني لأجدد الذكرى بما أسلفت من رجاء من حضرات القراء أن من اطلع على شيء يتعلق بهذا الموضوع فإنه يتفضل بتقديمه إلينا تتمة للبحث وتوفية للموضوع وخدمة للمعرفة، وتأييدا للحق.
بدء العهد السعودي بالحجاز:
بدأ العهد السعودي قبيل منتصف هذا القرن وبدأ في المدينة المنورة بالذات سنة ١٣٤٤هـ، وقد كانت التراويح من قبله تصلى جماعات متعددة بأئمة متعددين في وقت واحد وكانوا جميعا يصلون عشرين ركعة في أول الليل، والبعض منهم وخاصة المالكية يرجعون آخر الليل إلى المسجد النبوي يصلون ست عشرة ركعة المتقدم ذكرها وقد زال هذا التعدد من أوائل العهد السعودي.