للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فـ"أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة، ليعطف بعضهم على بعض ويحننهم على ضعفائهم" كما بيّن ذلك ووضحه رسوله الله صلى الله عليه وسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباءة متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} ، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّه} تصدق رجل من ديناره من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإِسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (١) .

والشاهد فيه تذكير الناس بأصلهم، وأنهم من نفس واحدة، وحثهم على الصدقة، وعطفهم على بعضهم البعض.

وجعل الله سبحانه من هذا الأصل (الأب والأم) شعوبا وقبائل ليتعارفوا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات: ١٣.


(١) صحيح مسلم كتاب الزكاة (٢/ ٧٠٤، ٧٠٥) .