قالوا روي عن عثمان- رضي الله عنه- أنه حين عرض عليه المصحف قال: أحسنتم وأجملتم، إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها، وروي عن عكرمة أنه قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفاً من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال: ستعربها بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف، قالوا: فكيف تكون المصاحف العثمانية معِ هذا موضع إجماع من الصحابة وثقة من المسلمين؟ بل كيف يكون رسم المصحف توقيفيا وهذا هو عثمان يقول: إن فيه لحنا؟ والجواب:
(١) إن هاتين الروايتين ضعيفتا الإِسناد وإن فيهما اضطراباً وانقطاعاً يذهب بالثقة بهما كما قال الإِمام السخاوي في الرواية الثانية، ونقله الإِمام الآلوسي في تفسيره، وعكرمة لم يسمع من عثمان أصلا، وقد روى الأثر عن يحيى بن يعمر عن عثمان وهو أيضاً لم يسمع من عثمان، وقد رد الرواية الأولى جماعة من العلماء كالإِمام أبي بكر الباقلاني، والحافظ أبي عمرو الداني، وأبي القاسم الشاطبي، والجعبري وغيرهم، وغير خفي على
المتأمل ما في الروايتين من اضطراب وتناقض فإن قوله: أحسنتم وأجملتم مدح وثناء، وقوله: أن فيه لحنا يشعر بالتقصير والتفريط، فكيف يصح في العقول أن يمدحهم على التقصير والتفريط. وأيضاً فالغرضِ من كتابة المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه على حرف قريش أن تكون مرجعاً عاما يرجع إليه المسلمون عند الاختلاف في حروف القرآن وقراءاته، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكل تصحيحها إليهم؟ إن هذا إن صح فسيصل بنا إلى الدور المحال، إذ تكون صحة قراءتهم متوقفة على القراءة وفق المصاحف التي كتبها لهم عثمان، وصحة المصاحف وسلامتها من اللحن متوقفة على صحة قراءتهم، وهذا ما ننزه عنه أي عاقل فضلاً عن عثمان رضي الله عنه.