وقد ساعده على تسديد طعناته استتاره وراء طرائق المحدثين عند إيراده أخباره، فهو يمهد للخبر بإسناده إلى سلسلة من الرواة، بينهم ثقات من أولى العلم والفضل، إلى جانبِ آخرين أكثرهم من الكذابين الوضاعين أو المجهولين أو الساقطين من مشهوري الشعوبيين، وهي مصيدة خطرة لقصار النظر وقليلي العلم بموضوع الأسانيد، فما إن يبصرون هذه القائمة من أسماء الرواة حتى يسلموا إليها قيادهم، ويتلقوا مضمونها بالقبول القاطع كأنها وحي يوحي.. وتزداد المحنة شدة بما تطرحه في أذهان البسطاء من كون هذه العينات من الهبوط الأخلاقي نماذجَ واقعيةً لما كان عليه السلف من ازدواجية في السلوك تجمع بين الوقار المؤَتمن والفجور الهدام، ثم لاتلبث أن تتسلل إلى سلوكهم ثم إلى مَن حولهم من طبقات المجتمع، حتى تزول الحواجز الفاصلة بين الحسن والقبيح والصالح والفاسد من الأقوال والأعمال.. فكيف إذا كان هؤلاء المتلقون من طبقة الفارغين ذوي اليسار الذين استهوتهم مُتَع الدنيا فلا شاغل لهم سوى الاجتماع على ذكرها وتتبع مروياتها، فعليها يتكئون في إذاعة مذاهبهم الماجنة، وحجتُهم المسوّغةُ هي هذه الأخبار الملغومة التي يرويها كبار الكتاب، وتصور الواقع المحجوب لكبار الفضلاء!..