للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويمتد تضليل الأصفهاني حتى يطل بنا على مجلس المتوكل الذي عُرف بنصره السنة فإذا هو- بزعم هذا المضلل- من الطراز نفسه الذي استحوذ عليه المجون والمنافقون.. ومن صور التبذير التي يرسمها للمتوكل ما ينسبه إلى الشاعر مروان بن أبي حفصة الأصغر إذ يقوله إنه مدح المتوكل بأبيات فأجازه عليها بمئة ألف درهم وخمسين ثوبا من خاص ثيابه!.

ويستقبل المتوكل خالدا لكاتب فيعاتبه على انقطاعه، ثم يأمر له بثلاثة أقداح مُلزِمة، فلا يعفيه منها إلا شفاعة الفتح بن خاقان.. وفي المجلس نفسه يحرِّش المتوكل بين خالد وبن ابن أبي حفصة ليتهاجيا فأمسك مروان، واندفع خالد يقذفه بقذارات يترفع حتى السوقة عن سماعها بَلْهَ نطقَها.. والخليفة يضحك حتى يصفق الأرض برجله!!. وهذا اللغو الذي يسم به الأصفهاني شخصية المتوكل يتنافى مع مميزاته التي عرفناها من خلال صورته الرائعة التي نطالعها في رائية شاعره البحتري حيث يصف خروجه لصلاة العيد في ذلك الموكب الباعث على الاعتزاز:

وبرزتَ في برد النبي

فإصبعٌ يومي إليك بها وعين تنظر

ومن خلال تقديره العظيم البالغ للإمام العظيم أحمد بن حنبل، وقضائه المحمي على فتنة المعتزلة.

ونحن لا ننكر أن لكل إنسان، وبخاصة أولئك المثقلون بأعباء الحكم، بَدَواتٍ ينفس بها عن صدره في الخلوات الخاصة.. ولكن أي مصلحة في كشفها للعامة، إلا أن تكون مصلحةَ المتآمرين مع بقايا المجوسية على تحطيم المقومات الإسلامية!.

ألغام في أساس الدولة العباسية:

وفي هذه الجواء المائجة بالعبث، والطافحة بسيول الذهب والفضة تتدفق على صانعي الملاهي، َ لابد أن تتفجر المطامع وتثور الشهوات حتى لا يبالي هُواتُها بالحدود الفاصلة بين الحلال والحرام، والفضيلة والرذيلة، فتصبح الرشوة من أنجع الوسائل في تحقيق الرغبات.