وقد قام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأداء الأمانة، فبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة. (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن عن الله عز وجل أمره، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعنى فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنَّها، وأحكامه التي حكم بها وآثاره التي بثها) . فلبث صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة ثلاثاً وعشرين سنة، يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضي الأحكام ويحرم الحرام ويحل الحلال، ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل. فلم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل وقبضه إليه صلى الله عليه وسلم وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتماها وأوفاها فثبت عليه السلام حجة الله عز وجل على خلقه بما أدى عنه وبين، وما دل عليه من محكم كتابه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما بشر وأنذر. قال الله عز وجل:{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}(١) ،.
وما أن فاضت روحه أو لتلحق بالرفيق الأعلى إلا ومدرسة النبوة قد بدأت تتحمل هذه المسؤولية من خلال تلك الصفوة التي تهذبت وتربت ونهلت من ذلك البيان، واشتهر منهم في علم التفسير جماعة كالخلفاء الراشدين وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وعبد الله ابن الزبير، ومنهم المكثرون كابن عباس وابن مسعود، ومنهم من لم يكثر وذلك بسبب تقدم وفاتهم أو انشغالهم في الإعداد والإدارة والجهاد، وقد نالوا - رضوان الله عليهم - الحظ الأوفر من ذلك الهدي والبيان النبوي، فتلقوه بكل همة وحفظوه وطبقوه بدقة وأمانة، ثم قدموه إلى من بعدهم من التابعين فنشروا ما علموه بحكمة وصيانة مع التحري والتدقيق.