للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أنموذج من النماذج الدقيقة التي تدل على رصانة المنهج المتبع عند الصحابة والتابعين في تفسير القرآن الكريم والعمل به، وقد نشروا منهجهم في أصقاع الخلافة آنذاك فحينما بدأت الفتوح على أيديهم في الجزيرة العربية وما جاورها انتشر الصحابة للدعوة إلى الله وتوحيده يفقهون الناس بما أنزل إليهم، فكان ابن عباس في مكة والبصرة، وابن مسعود في الكوفة، والخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت وأبي بن كعب في المدينة، وأبو موسى الأشعري باليمن، وعمرو بن العاص بمصر، وكان من منهجهم في التعليم: الفهم والتطبيق العملي لما قرأوا وتعلموا من القرآن الكريم.

أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:"كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن".

وكان بعضهم إذا أشكل عليه مسألة سأل من هو أعلم منه في تلك المسألة، ويتكاتبون فيما بينهم إذا كانوا متباعدين.

فقد كتب ابن عباس رضي الله عنه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسأله عن ستة إخوة وجد فكتب إليه "أن اجعله كأحدهم وامح كتابي.."أخرجه ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي. قاله الحافظ ابن حجر ثم قال: وأخرج الدارمي بسند قوي عن الشعبي قال:"كتب ابن عباس إلى علي - وابن عباس بالبصرة - أني أتيت بجد وستة إخوة، فكتب إليه أن أعط الجد سدساً (١) ولا تعطه أحداً بعده ".

وقد أثَّر هؤلاء الصحابة- رضوان الله عليهم- في تلاميذهم من التابعين رحمهم الله حيث اجتمع في كل بلد لفيف من التابعين (٢) حول هؤلاء الصحابة فكان من أصحاب ابن عباس الذين يقولون بقوله ويفتون ويذهبون مذهبه: سعيد بن جبير وجابر بن زيد وطاووس ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة (٣) .

ومن أصحاب ابن مسعود الذين يفتون بفتواه ويقرأون بقراءته: علقمة ابن قيس والأسود ابن يزيد ومسروق وعبيد السلماني والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل.