الرابع:(١) الحال المُؤكِّدة لعاملِها وهي الآتية لتأكيد الفعل وسميت مُؤكِّدة لأنها تُعلم قبل ذكرها فيكون ذكرها توكيداً، لأنها معلومة من ذكر صاحبها كقوله تعالى:{وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}(٢) فالحياة معلومة من ذكر البعث, وكقوله تعالى:{وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}(٣) . فالإِفساد معلم من مجرد ذكر العثو وهو أشد الإِفساد وكقوله تعالى:{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}(٤) فعدم البعد معلوم من (أزلفت) إذ معنى زَلَفَ: دنا وتقدم (٥) .
وبعد عرض- أحسبه سريعاً- للإِطناب والتأكيد تظهر لنا الصلة الوثيقة بالبدهيات ومن ثَمَّ صلةُ هذه الأخيرة بالبلاغة.
أنواع البدهيات:
أشرت في تعريف البدهيات إلى انقسامها من حيث المصدر إلى قسمين ونحن هنا لا نقصد هذا المعنى وإنما نقصد أنواعها من حِيثُ هي بَدَهِيَّة.
ولا أدعي أنَّ هذا التقسيم حاصرٌ إذ هو ليس إلا محض اجتهاد ممن قَصُرَ باعُه في قضية تحتاج إلى جلاء وبيان، وتمعنٍ وتفكرٍ، واستقصاءٍ وشمولٍ، فَلَعليِّ أذكر ما توصلتُ إليه وإن قَلَّ.
بعد استقراء أو شبه استقراء أرى أنَّ البدهيات تنقسم إلى أنه ثلاثة:
الأول: بدهية حسابية.
الثاني: بدهية لغوية.
الثالث: بدهية عادية.
وسأتناول هذه الأنواع الثلاثة مُعَرِّفاً ومُمَثِّلاً لكل نوع بإذن الله تعالى.
أولا: البدهية الحسابية:
وتنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: فذلكة عددين مذكورين تفصيلا يُدركُ العقلُ مجموعَهما من فوره ولا يحتاج إلى ذكرِ مجموعهما. وفي القرآن من هذا النوع آيتان: