للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأنها أصول تصح إجارتها فلا تصح المعاملة عليها ببعض كسبها. واحتج من جوز المزارعة دون المخابرة بأنه عقد يشترك رب العين والعامل في نمائه فوجب أن يكون الأصل (من رب المال) كالمضاربة والمساقاة (١) .

فإذا عرفت حجة كل مذهب فالذي رجحه البخاري والخطابي واختاره جماعة من المحققين إنما هو قول الجواز مطلقا قال صاحب المغني: "وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لما تقدم من حديث (معاملة) أهل خيبر".

(قال) البخاري: "قال أبو جعفر: عامل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان وعلي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع". وقال: "ما في المدينة أهل بيت هجرة إلا ويزرعون على الثلث والربع"إلى آخر ما تقدم وهذا أمر مشهور عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر حتى مات ثم الخلفاء الراشدون بعده حتى ماتوا ثم أهلوهم، وعمل به أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فروى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع فكان يعطى أزواجه مائة وسق ثمانون وسقا تمرا وعشرون وسقا شعيرا فلما قسم عمر خيبر خيَّر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن يقطع لهن من الماء والأرض أو يمضي لهن الأوسق فمنهن من اختار الأرض ومنهن من اختار الوسق وكانت عائشة وحفصة ممن اختار الأرض. رواه البخاري ومسلم.

ولم ينقل أن عائشة وحفصة أجرتا ما اقتطعتاه ولا أنه كان لهما غلمان يعملون الأرض فالظاهر أنهما كانا تزارعان عليها. فإن قيل يحتمل أن يكون حديث خيبر منسوخا (٢) بالنهي الوارد في حديث رافع وجابر وأبي هريرة. قلنا لا يجوز لوجوه:

الأول: أن النسخ إنما يكون في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كان هذا منسوخا لما عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن مات وعمل به الخلفاء الراشدون بعده ولم يخالف أحد منهم.