ماله وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب وأبكت بفصاحته فصحاء عدنان وقحطان وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي وأنزله بلغة العرب وسلك فيه مسلكهم في الكلام وجرى به مجاريهم في الخطاب وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متخالفة وطرائق متباينة فضلاً عن المقامين فضلاً عن المقامات فضلاً عن جميع ما قاله ما دام حيا وكذلك شاعرهم.
ونكتفي بهذا التبيين على هذه المفسدة التي تعثر في ساحاتها كثير من المحققين وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم عليه السلام، فإذا قال متكلف كيف ناسب هذا ما قبله؟ قلنا لا كيف".
فدع عنك نهبا صيح في حجراته
وهات حديثا ما حديث الرواحل
الإتجاه الثاني:
اتجاه يقول بالمناسبة في حال دون حال ويمثل هذا الاتجاه الشيخ العز بن عبد السلام حيث يقول: "المناسبة علم حسن ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر".
قال: "ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلاً عن أحسنه، فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ولأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض، إذ لا يحسن أن تربط تصرف الإله في خلقه وأحكامه بعضها ببعض مع اختلاف العلل والأسباب كتصرف الملوك والحكام وتصرف الإنسان نفسه بأمور متوافقة ومتخالفة ومتضادة، وليس لأحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرفات مع بعض مع اختلافها في نفسها واختلاف أوقاتها".