قال أبو الأسود:"فجمعت منه أشياء، وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النَّصب فذكرت منها: إنَّ، وأنَّ، وليت، ولعلّ، وكأنَّ، ولم أذكر لكنَّ، فقال لي: لِمَ تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بل هي منها، فزدها فيها".
ولا يخفى ما في هذه الرِّواية من آثار التَّزيُّد والمبالغات، ممّا يجعل النَّفس ترتاب منها لورود مثل تلك المصطلحات والتَّفصيلات التي يبعد أن تكون عرفت في زمن عليّ - رضي الله عنه -.
وعلى الرَّغم من كثرة الرِّوايات الّتي تسند هذا العلم إلى الإمام عليّ، وتلميذه أبي الأسود من بعده، وتسليم أكثر القدماء بمضمونها ردّها بعض المعاصرين، وجعلوها من الأساطير، أو الخرافات، أو عبث الرّواة الوضَّاعين.
وأنكر بِعضهم أن يكون للخليفة عليّ بن أبي طالب أي دور في نشأة علم النَّحو، لأنَّ "وضع النَّحو أمر خطير يتقاضى من القائم به عناية مبذولة إليه خاصة، وصدوفاً عن مشاغل الحياة عامة، ووقتاً طويلا، يُستنزف في التَّقصي للكلام العربي، وإعمال الفكر واستخراج القواعد في حياة كلها هدوء واستقرار، يرفرف عليها جناح الأمن والسَّلام، وحياة الإِمام عليّ - كرم الله وجهه - تقضَّت في النّضال العنيف والشجار المستحرّ، ملأتها الحوادث المروعة، واكتنفتها أمواج الاضطرابات الشاملة، فبعيد أنَّ الإمام عليّ يواتيه الوقت الكافي للنهوض بأعباء هذا العمل الجلل".
ونحن نقول لهؤلاء المنكرين: إنَّنا لا نتصوَّر أن يتواطأ جمع من علمائنا القدامى على الكذب، ولا نستكثر على الإِمام عليّ - رضي الله عنه - أن يكون له دور بارز في نشأة هذا العلم، كإرشاد أبي الأسود وتلقينه بعض المبادئ الُّلغوية.
وأية غرابة في أنَّ تدور بين عليّ وصديقه أبي الأسود أحاديث تتّصل باللغة، وهما بها عالمان، وعلى سلامتها حريصان، في زمن استشرت فيه العجمة، وشاع فيه اللحن، وأخذ يتهدد القرآن؟.