كانت الملحوظات النحوية والإِرشادات والتنبيهات والأنظار تصدر مدّة من الزمن عن جماعة من المهتمين بالعربية في المدينة مشافهة، وتنتقل عن طريق الرواية والسماع، ولم تكن فكرة تأليف الكتب قد تبلورت في أذهانهم.
ولما تطورت العلوم في نهاية القرن الأوّل وبداية القرن الثاني، وأخذت تتكوّن معالمها كالتفسير والحديث والعربية بدأت فكرة تدوين ملحوظاتهم أو معارفهم في أوراق لحفظها، ولم تلبث أن تحولت هذه الفكرة إلى نوع من التأليف عند بعض العلماء.
وكان نحاة المدينة ولغويوها من السابقين إلى تأليف الكتب النحوية، وهي إن ضاعت من يد الزمن فليس ذلك لها وحدها، بل ضاعت كتب عيسى بن عمر ويونس بن حبيب والرؤاسيّ وغيرهم.
ولا نكاد نعرف عن مؤلفاتهم في اللغة والنحو إلا الشيء القليل، ومن هذا القليل ما وصل إلينا، ومنه ما فُقِد ولا نكاد نعرف عنه شيء، ومما وصل إلينا رسالة صغيرة في لغات القرآن، برواية ابن حسنون بإسناده إلى ابن عباس، وقد نشرها الدكتور صلاح الدين المنجد.
والرسالة طريقة في بابها مرتبة على سور القرآن، يورد فيها مؤلفها ما في كل سورة من لغات عربية أو ألفاظ معربة لأمم مجاورة كالفرس والروم والأنباط السريان والعبرانيين.
وهو من هذه الناحية - كما يقول المحقق - يبين لنا مصادر القرآن اللغوية، ويلقي الضوء على لغات القبائل قبيل الإسلام، ويحدد نسبة ما أخذ القرآن من ألفاظ كل قبيلة من تلك القبائل، ثم من كل أمة إن صح أن بعض الألفاظ فيه أعجمية.
وقد شك بعض الباحثين في نسبة هذا الكتاب إلى ابن عباس، وبسط القول فيه.
ولابن عباس صحيفة في تفسير القرآن الكريم رواها عنه علي بن أبي طلحة، فيها من اللغة الشيء الكثير يتمثل في تفسير الغريب.
وقد كانت هذه الصحيفة موضع تقدير العلماء وعنايتهم، إذ قال عنها أحمد ابن حنبل:"بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً ما كان كثيراً".