وقد احتج بعض علماء المدينة المغمورين بما ورد من هذا في القرآن الكريم حين خطأه أبو عمرو بن العلاء. قال الزجاجي:"حدثنا أبو هِفّان قال: قال مصعب الزبيري: أنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس:
إنّ الحَوَادثَ بالمَدِينَةِ قَدْ
أَوْجَعْنَنِي وقَرَعْنَ مَرْوَتِيَهْ
فانتهره أبو عمرو، وقال: مالنا ولهذا الشعر الرّخو، إنّ هذه الهاء لم تدخل في شيء من الكلام إلا أرخته.
فقال المدني: قاتلك الله، ما أجهلك بكلام العرب، قال الله جل وعز في كتابه:{مَا أغنَى عَنّي مَالِيَه هَلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَه} و {يَا لَيْتَنِي لَم أوْتَ كِتَابِيَه ولم أدرِ مَا حِسَابِيَه} ، وتعيبه؟ فانكسر أبو عمرو انكساراً شديدا".
ويدل ردّ هذا المدني المغمور على أبي عمرو بن العلاء، واحتجاجه بما جاء في القرآن في تلك المسألة اللغوية، وقوله بثقة لأبي عمرو:"ما أجهلك بكلام العرب"يدل ذلك كلّه على أن ذلك الرجل كان على قدر من العلم باللغة في المدينة إن لم يكن من علماء اللُّغة فيها، وإن كنا لا نعرف اسمه، وقد تبين لنا من خلال هذا البحث أن ما نجهله من أمر علماء اللُّغة والنحو في المدينة هو أكثر مما نعرفه عنهم.
الخاتمة
تبيّن من خلال هذا البحث أن بذرة الدراسات اللغوية العربية لغة ونحواً كانت في المدينة، منذ وقت مبكر في عهد الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم من أمراء بني أمية، لعوامل ساعدت على نشأة هذه العلوم، ومن أبرزها: