وفي قوله تعالى:{حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَل}(١) ، إشارة إلى دقة الحساب وعدالة الميزان ما يبلغه هذا التعبير المصور حبة من خردل، صغيرة ضائعة لا وزن لها ولا قيمة {فَتَكُنْ فِي صَخْرَة} أي صلبة محشورة فيها لا تظهر ولا يتوصل إليها {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ ... } في ذلك الكيان الهائل الشاسع الذي يبدو فيه النجم الكبير ذو الجرم العظيم نقطة سابحة أو ذرة تائهة {أَو ْفِي الأَرْض} ضائعة في ثراها وحصاها لا تبين {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} فعلمه يلاحقها وقدرته لا تفلتها. ويراد من ذلك الأعمال، المعاصي والطاعات، أي إنْ تك الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة يأت بها الله، أي لا تفوت الإنسان المقدر وقوعها منه، وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة الترجية والتخويف.
ويدرك الإنسان من معرفته لقدرة الله عز وجل مراقبة الله الدائمة له في كل تصرف، مراقبة الله له في الصغيرة والكبيرة، وفي الجهر والخفاء.
ولذا فهو يراقب الله وهم يعمل ... فلا يعمل شيئاً بغير إخلاص، لا يعمل شيئاً يقصد الشر ... لا يعمل مستهتراً ولا مستهينا بالعواقب، ولا يعمل شيئا لغير الله، فالله سبحانه وتعالى يحاسبه على النية بعد العمل وعلى الإخلاص فيه.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى ... "(٢) .
هذا والله لا يقبل أن يكون شيء من العمل لغير وجهه.
فعن أبي أمامة الباهلي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا شيء له". فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لاشيء له. ثم قال: إن الله لا يقبل من العبد إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه"(٣) .