للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقرية مكة: هي حريم المسجد الحرام، وهي له كسياج تحيط به، تحول بين هوانه ممن لا يعظمه في نفسه، ويعمل على إهانته، والنيل منه، بعبادة ربه بما لم يُشَرِّعه لعباده للتقرب إليه وطاعته، كالمشركين يعبدون الأوثان، ويستغيثون بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فأولئك لو تمكنوا من دخول مكة - الحرم الآمن - لتمكنوا من دخول المسجد الحرام بطريقة أو بأخرى "كالراعي يرعى حول الحمى"، فقطعاً لدابر مثل هذا الاحتمال حُظِر عليهم دخول أرض مكة كلِّها، وبالتالي دخول بيت الله الحرام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة/٢٨] .

وقد كان من المشركين أربابُ تجارة، يعتادون مكة بأصنافٍ منها، ينتفع بها المسلمون، الذين منهم من اغتمَّ عند نزول صدر الآية الكريمة، خشية الفقر عند انقطاع موارد الرزق، حتى إذا نزل عجزها اطمأنت نفوس المسلمين.

قال ابن حجر: والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام، ولو لم يقصدوا الحج، ولكن لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه، فيكون ما وراءه أولى بالمنع. والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله [٦] .

وقرية مكة المكرمة لها طابع بيئي متميز، الجبال الشاهقة تحيط بها من جميع جوانبها، والأودية تتخلل تلك الجبال، وحتى موضع البيت الحرام في وادي غير ذي زرع تغمره مياه الأمطار، وقد أدَّت السيول إلى هدمه أكثر من مرة من تاريخ إنشائه. غلب على مناخِها طابع الحرارة الشديدة، ولا تكاد تُميَّز فروق الفصول الأربعة فيها.