للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقع في الجهة الغربية من شبه الجزيرة العربية، غربي مدينة الطائف، وشرقي مدينة جدة، وجنوبي المدينة المنورة، وهضبة نجد. وبطن مكة ليس فيه ماء، ولم يكن لأحد فيه قرار. بدأت أهميتها للمسلمين بلداً مقدساً منذ أن أسكن فيها إبراهيم إبنه إسماعيل - عليهما السلام - مع أمه (هاجر) بأمر من الله. وقول الله تبارك وتعالى على لسان إبراهيم - بعد أن ترك أهله وأراد العودة إلى الشام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم ٣٧] .

فقوله تعالى: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} وصف مميز لطبيعة أرض مكة المكرمة الجغرافية، فالوادي ممر تجري فيه سيول الأمطار، وكونه (غير ذي زرع) دليل على عدم صلاح تربة جانبيه للزرع، ولوجود الصخور والأحجار المتناثرة فوقه، ولعدم ملائمة جوه الحار الجاف لانبات كثير من أنواع الشجر، والزروع التي تحتاج إلى رطوبة الجو، وغزارة المياه لكي تنمو وتعطي ثمارها. فالموقع الذي اختاره الخليل عليه السلام لأهله لا يختاره إنسان بإرادته ومعرفته البشرية، لخلوه في الظاهر من أكثر عناصر الحياة أهمية للإنسان وهما: الماء والغذاء. مما يدل على أن الله جل وعلا بعلمه وحكمته، اختار له ذلك المكان ليترك أهله، ويعود من حيث أتى وهو مطمئن على مصيرهم لثقته برعاية الله لهم، وله معاً.

لذلك عندما أوقفته (هاجر) وسألته: إن كان الله هو الذي أمره بتركهم في هذا المكان المقفر، أجاب: نعم. قالت: إن الله لن يضيعنا [٤١] .

وأنبط الله ماء زمزم، حيث وضع الفتى - عليه السلام - جرى ماءً غَدَقاً، فرحت به الأم المتعبة، فأخذت تحوطه بيديها كي لا يضيع في التراب، شفقة منها، ولهفة عليه. فسقت، وأسقت واطمأنت، وخلتْ.