والمسجد هو مكان السجود في أي مكان طاهر من الأرض، قال صلى الله عليه وسلم:"جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"[٦١] . ومواضع عبادة الله وحده تسمى مساجد، قال الله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً...}[الجن/١٨] .
وهي بيوت الله، تشريفاً لها، وتعظيماً لمكانتها، ومن أقدسها وأشرفها الكعبة بيت الله الحرام، حيث تضاعف الحسنات، وتضاعف السيئات، ويؤاخذ الإنسان فيه إذا همَّ بسيئة، وأصرّ على تنفيذها، وأعد لذلك عدّته، وإن لم يقع منه الفعل. بل يؤاخذ فيه الإنسان حتى على ما يصدر عنه من لغو الحديث.
قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كنا نتحدث أن الإلحاد فيه أن يقول الإنسان: لا والله، وبلى والله، وكلاَّ والله"[٦٢] .
وهذا مما اختص به المسجد الحرام دون سائر حرم مكة المكرمة، حتى يكون لبيت الله ما يميزه دون غيره من سائر بقاع الأرض.
أخرج عبد بن حميد عن عكرمة، قال: ما من عبدٍ يَهِمُّ بذنب فيؤاخذه الله بشيء حتى يعمله، إلاَّ من همَّ بالبيت العتيق شراً، فإنه من هَمَّ به شراً عجل الله له" [٦٣] .
ومكة - قرية المسجد الحرام - لها أيضاً ما يميزها عن غيرها من القرى، وقد سبق ذكر شيء من ذلك في هذه الرسالة.
ويختص المسجد الحرام دون غيره من المساجد بالطواف حول كعبته المشرفة، وهو نوع من العبادة، والتقرب إلى الله، لا يجزئ، ولا يجوز في أي بُقْعَةٍ من بقاع الأرض سواه.
وفيه مقام إبراهيم، حجر قام عليه ليرفع قواعد البيت كما أمره ربه، فأصبح من شعائر الله، أُمر المسلمون بالصلاة خلفه.
وفيه بئر زمزم، ومنه الماء المبارك، لسقيا الوافدين للحج والعمرة، ماؤه لاينضب، وفيه الحجر الأسود وحِجْرُ إسماعيل.