من خلال ما تقدم تبين أن هناك فرقاً بين المسجد الحرام، وبين حرم مكة، فيما يتعلق بمضاعفة الحسنات والسيئات، وأن المراد بقوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} المسجد الحرام، بأن تكون تلك الإرادة بالسوء في جوفه، ولا يؤاخذ المؤمن بالإرادة المجردة قبل أن يفعل أو يقول بأرض الحرم، أو غيرها سواه، ولكن يبقى لحرم مكة ما يميزه عن سائر البقاع الأخرى سوى المسجد الحرام.
والعمل الصالح فيها بنية الإخلاص، يبارك، وأحرى للقبول من فاعله، والعمل السيء فيها أكثر بشاعة من مؤمن يتبطن أرض الحرم، ويشتمُّ روحانية بيت الله الحرام.
وهو دليل من فاعله على قلة إحساسه بالمسئولية، وقلة تعظيمه لشعائر الله، وضعف تقواه. وكذلك من رحمة الله بعباده، وخاصة جيران بيته المحرم ألاًّ يحملهم ما لا يُطيقون، أو يؤاخذهم بما لا يستطيعون ردّه، أو التحكم فيه، كحديث النفس والوساوس.
وفي قوله تعالى:{وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}[البقرة/٢٨٦] ، إرشاد للمؤمنين، يتوسلون به إليه، ويدعونه جلّ وعلا بما يرفع عنهم المشقة، أو التعرض لسخطه، وعذابه، بما يأتونه نسياناً منهم، أو عند غلبة الهوى والنفس والشيطان عليهم.
وبعد ذلك وقبله يُفترض فيمن جاور المسجد الحرام من المؤمنين أن يكون على قدر ذلك الجوار في سلوكه، ومنهجه وعقيدته، وألاّ يصدر عنه من أفعال، وأقوال إلاّ ما يُرضي رب البيت، ومليكه، وفق ما سنَّه، وشرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.