ولما كان الإيمان بهذه المثابة وعلى هذا القدرِ من الأهمية، كانت النصوص المبيّنة لفضله والدالّة على شريف قدره كثيرةً جداً ومتنوّعةً؛ إذ إنَّ مِن حكمة الله البالغة ونعمته السابغة على عباده أنْ جعل الأمر كلَّما كانت الحاجة إليه أعظم والضرورة إليه ألزم كانت براهينُه وطرقُ تحصيله وسُبُلُ نيلِه أوفر وأكثر، وحاجة العباد إلى الإيمان هي أعظم الحاجات، وهي أعظم من حاجتهم إلى طعامهم وشرابهم وسائر شؤونهم؛ ولذا كانت دلائلُ الإيمانِ أقوى الدلائل، وبراهينُه أصحَّ البراهين، وسبلُ نيله وتحصيله أيسرَ السبل مسلكاً وأقربَها مأخذاً وأسهلَها مُتناولا؛ ولذا أيضا تنوّعت وتعدّدت براهينُ الإيمان ودلائله الموضحة له إجمالاً وتفصيلاً.
وإنَّ من أعظم دلائل الإيمان التي اشتمل عليها القرآن ضربَ الأمثال التي بها تتّضح حقيقتُه، وتستبينُ تفاصيلُه وشعبُه، وتظهرُ ثمرتُه وفوائدُه.
والمَثَلُ هو عبارة عن قولٍ في شيء يُشبِه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهة لتبيين أحدهما من الآخر وتصويره، ولا ريب "أنَّ ضربَ الأمثالِ مما يأنسُ به العقلُ، لتقريبها المعقول من المشهود، وقد قال تعالى- وكلامه المشتمل على أعظم الحِجَج وقواطع البراهين-: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ}[١] ، وقد اشتمل منها [أي القرآن] على بضعة وأربعين مثلاً، وكان بعضُ السلف إذا قرأ مثلاً لم يفهمه يشتدُّ بكاؤُه ويقول: لست من العالِمين"[٢]
وكان قتادة يقول:"اعقِلوا عن الله الأمثال"[٣] .
ومن هنا رأيتُ أن أقدِّم هذه الدراسة لأحدِ أمثال القرآن والسنة المشتملة على بيان الإيمان وتقريبه، وإيضاح أصلِه وفرعه وشُعبِه وثمراته، ومن الله وحده العونُ والتوفيقُ.