للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنا لا أعني أن نبقى جهالا, وأن لا نستفيد مما عند الغربيين من رقي مادي وتقدم علمي, فالعلم فريضة, ولكن علينا أن نعرف ما نأخذ وما ندع, علينا أن نحسن الاختيار في اقتباسنا, ولا نتهالك على ما عند أعدائنا كما يتهالك الفراش على النار الموقدة. فنحن يمكننا أن نأخذ من الأوروبيين وغيرهم العلوم البحتة كالكيمياء والفيزياء والطب والصناعة وغيرها مما هو نتاج الفكر وحده, فهذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". أما ما يتعلق بتصور المسلم عن الحياة والكون والإنسان, وغاية وجوده, وما يتعلق بالمبادئ والشرائع, وما يتعلق بالأخلاق والعادات والقيم والمفاهيم التي تكّون ملامح المجتمع المسلم, فهذا كله لا يجوز أن نأخذه عن الغربيين, ونتلمذ فيه عليهم؛ لأن هذا كله يكون شخصية المسلم ونظرته للحياة, ولا يجوز للمسلم أن يتلقى هذا إلاّ عن ربه, ولا يعتمد في تعلم ذلك إلا على مسلم يثق بعلمه وتقواه, أَوَلَمْ يُنبِّهُنَا الله تعالى إلى خطر الأخذ في مثل هذا عن أهل الكتاب لأنهم ضالون؟ أَوَلَمْ يسمع المسلمون لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} . إن هؤلاء الغربيين انحرفوا عن الحق حين أعرضوا عن ربهم, وكفروا بالآخرة, ولم يريدوا في تفكيرهم إلاّ الحياة الدنيا, لذلك جاءت حضارتهم منحرفة لا يجوز اتباعها, والثقة بها, والله تعالى يقول: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا, ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ, إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} .