ثم في نقلة سريعة حالة الأمن والوحدة والعلم والتحضر في خطى ثابتة متسارعة وفي زمن قياسي على نحو لم يعهده الناس من قبل.. فإذا هم على مشارف العصر وبروح العلم والإيمان والطموح، وفي نقلة هائلة من الصحراء وشظف عيشها إلى التحضر بكل وسائله من فرض التعليم، وإنشاء الهجر، وتوطين البدو الرحل، وتشجيع الصناعة والزراعة ونشر بساط الأمن، تلك هي قصة الملحمة التي عاشها الناس ويذكرونها لعبد العزيز الملك المسلم المخلص ويذكرونه بها، ويحمدون الله عز وجل أن قيض لهم هذا الإمام الملك الراشد.
وكان هذا الولاء والحب نابعا عن قناعة راسخة ومحبة ثابتة لا تتزعزع، وكان الملك عبد العزيز أهلا لذلك، فهو صاحب أصالة في التمسك بالعقيدة، وأصالة في السيرة الذاتية، وأصالة في الفكر، وأصالة في الأخلاق، وأصالة في التعامل مع مستجدات الحياة.
وتتنامى الحاجة في عصرنا وجيلنا إلى توطيد وترسيخ مفهوم المعاصرة في مختلف جوانب الحياة، وتطرد الحاجة قبل ذلك ومع ذلك إلى إبراز الأصالة كمرتكز أساس في الحياة الإسلامية المعاصرة وإلى الأهمية القصوى للدولة الإسلامية المعاصرة، لا سيما بعد بروز الأنماط غير المكترثة بالدين، والتي تحد من دوره الحيوي في الحياة (كالعلمانية واللادينية) وهي أنماط نشأت في البلاد الغربية ولا تصلح إلا لبيئاتها الأصلية، ولا تناسب إلا الرواسب الثقافية والتاريخية لتلك البيئات.
والأصالة - كما يقول علماء اللغة - تتضمن معاني القوة والثبات والاستحكام، وأصل الشيء: أساسه الذي يقوم عليه ومنشؤه الذي ينبت منه [١٤] .
ومن مدلولات الأصالة: القاعدة وأصل كل شيء أسفله، وأيضاً: الدوام والاستمرار، يقال: إن النخل بأرضنا لأصيل أي هو بها لا يزال ولا يفنى [١٥] .
وتتسم الأصالة في منهج الملك عبد العزيز -رحمه الله - وفي سيرته بالخصائص التالية: